All
x
Chronique verso@Almodononline
Chronique verso@Almodononline
2016-10-15
Bibliothèque nationale - 2016
"الكتاب بتصرّف الفن": 55 فناناً يلاعبون تاريخ الصحافة
ظننّا أمس الجمعة(14 تشرين الأول)، أنه الموعد المنتظر لافتتاح "المكتبة الوطنية" في مقرها الجديد، في المبنى الذي كانت تشغله كلية الحقوق بمنطقة الصنائع. والصحيح أنه كان افتتاح معرض تشكيلي من أجل دعم "المؤسسة اللبنانية للمكتبة الوطنية"، المكلّفة بترميم وتجهيز واستكمال مشروع إعادة إنشاء هذه المكتبة.

وقبل الحديث عن المعرض الفني، المتقن والجماعي، الذي اشترك فيه 55 فناناً تشكيلياً لبنانياً، تستحق حكاية "المكتبة الوطنية"، محتوىً ومقراً، أن تروى أولاً.

كان يا ما كان مكتبة وطنية في لبنان، تأسست العام 1921 واُقفلت العام 1975 وتم تجميد عملها بقرار حكومي العام 1979، بعد إصابتها في السنوات الأولى للحرب بأضرار جسيمة، وتعرض بعض مجموعاتها النادرة للنهب. وخلال السنوات التالية، تم نقل المحتويات الباقية منها على عجل وبلا عناية أو اتقان، وجرى توضيب مجموعات الكتب والمطبوعات والمخطوطات كيفما اتفق في مستودعات منسية، ومتروكة عرضة للعفن والرطوبة والتلف.

في العام 1999، حين أُعلنت بيروت "عاصمة ثقافية للعالم العربي" حدث الانتباه إلى مفارقة مخجلة. فهذه العاصمة (عاصمة الكتاب والنشر والطبع والمطابع..) ليس فيها "مكتبة وطنية". فكانت المبادرة التي احتضنتها وزارة الثقافة من أجل مشروع تأهيل المكتبة الوطنية. وفي العام 2000 انطلقت مؤسسة خاصة باسم "المؤسسة اللبنانية للمكتبة الوطنية"، مهمتها تأمين التمويل اللازم والوسائل التقنية المناسبة لهذا المشروع، الذي يستلزم تأمين مبنى مؤقت، وانتقاء طاقم كفؤ وتدريبه، ومعالجة مادية للمستندات والوثائق والكتب والمخطوطات، وفهرسة المحتويات وتبويبها، وتأمين مختبرات الترميم والخبراء، وتعديل قانون الإبداع، وإصدار قانون المكتبة الوطنية، وتطوير مجموعات الكتب، إضافة إلى المستجد التكنولوجي المتمثل بالنشر الالكتروني ووسائطه.

في السنوات التالية، استأجرت هذه المؤسسة مقراً مساحته حوالى 3000 متر مربع، في المنطقة الحرة بمرفأ بيروت، حيث كان العمل بدعم سخي من الاتحاد الأوروبي من أجل تأمين الظروف المثالية لترميم آلاف الكتب وحفظ التراث الوطني من الوثائق والمخطوطات. وأُخضعت تلك المحفوظات لعملية تطهير مكثفة من الجراثيم، بإشراف خبراء فرنسيين من ليون، بالإضافة إلى معالجة وترميم المجموعات المتضررة في ورش ومختبرات جرى استحداثها لهذه الغاية، كما جنّدت وزارة الثقافة ودرّبت فريقاً لبنانياً لفهرسة الكتب والوثائق وتبويبها.

خلال العقد الممتد من العام 2000 إلى العام 2010، حدث أمران: الأول، اختيار مبنى كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية في الصنائع، ليكون مقراً نهائياً ودائماً للمكتبة الوطنية. والثاني، كان تعهد دولة قطر بتقديم هبة مالية كبيرة لتمويل أعمال ترميم المبنى وإضافة أجزاء جديدة إليه، وتأهيله عملياً.

بعد 16 عاماً على انطلاق المشروع، ورغم سخاء الهبات ومبادرات التمويل، يبدو أن "المكتبة الوطنية" ليست ناجزة بعد، وافتتاحها سيكون مؤجلاً إلى وقت غير معلوم.

أمس الجمعة (14 تشرين الأول الحالي)، كانت فرصة نادرة كي ندخل إلى مقر "المكتبة الوطنية" في مبناها العثماني الطراز والذي خضع إلى ترميم بالغ الاتقان، مع إضافات معمارية بارعة في التوليف بين عراقة الصرح والمستجد الهندسي والتقني، في عملية تعشيق بين الحجر الرملي البيروتي وعناصر الزجاج والمعدن العاري، مع انتباه لتفاصيل جمالية في المواد المستدخلة: الخشب والإضاءة والطلاء وتجهيزات التهوئة والمصاعد وتقسيم المساحات، في عملية تشبه إلى حد ما الإنجاز المعماري الذي خضع له متحف سرسق مثلاً.

كنا البارحة محتارين في توزيع نظرنا بين استكشاف المبنى، الذي لم يفتح أبوابه للعامة بعد، وبين أعمال المعرض الفني الذي احتل القاعة الرئيسية الكبيرة. كنا ضيوفاً في افتتاح معرض "الكتاب بتصرّف الفن"، الذي نظّمته السيدة نادين بكداش (غاليري جانين ربيز)، لصالح وزارة الثقافة والمؤسسة اللبنانية للمكتبة الوطنية، وشارك فيه خمسة وخمسون فناناً وفنانة، من أجيال مختلفة، تحت عنوان "الكتاب بتصرّف الفن".

وفكرة المعرض أتت من الحادثة التالية: أصدرت "المؤسسة اللبنانية للمكتبة الوطنية" كتاباً فخماً بعنوان "قرن من الصحافة في لبنان 1858- 1958"، وهو أول وثيقة تضم صور الصحف اللبنانية في قرن كامل، مع دراسة مكثفة لتاريخها ونصوصها ورسومها الكاريكاتورية وإعلاناتها. وتبين لاحقاً بعد طبعه أن ثمة خطأ في تجميع الصفحات وترقيمها. وبدل اللجوء إلى إتلاف النسخ، وبعد نقاش معمق بين السيدة بكداش والمؤسسة، جاءت فكرة وضع هذه النسخ بين أيدي الفنانين اللبنانيين، لاستخدامها وفق حريتهم ومخيلتهم وممارساتهم التقنية المتباينة، رسماً ونحتاً وتصويراً وتجهيزاً وتركيباً، كي ينتجوا أعمالاً فنية منها، وتحويل نسخ هذا الكتاب إلى قطع فنية، يتبرعون بها للمؤسسة كي تقدمها في معرض يمتد شهراً كاملاً (يستمر من 15 تشرين الأول وحتى 13 تشرين الثاني)، ويعود ريع بيع الأعمال لتمويل المكتبة الوطنية.

كانت أمام الفنانين ثيمتان إلزاميتان. الأولى، شكلية أي الكتاب الضخم بغلافه الكرتوني السميك وصفحات ورقه الصقيل. والثانية موضوعية أي عنوانه ومحتواه، المئة سنة الأولى من تاريخ الصحافة اللبنانية. والبارز أن الكثير من الفنانين ربط هاتين الثيمتين (الكتب، الصحافة) بالإغتيال والموت. فالفنانة رندا علي أحمد، انتقت أن ترسم لوحة بورتريه لكامل مروة، مؤسس جريدة "الحياة" الذي اغتيل العام 1966. منى باسيل صحناوي أنشأت بمواد مختلفة ما يشبه "صائدة الأحلام" أو جرس "نغمات الرياح" عملاً بعنوان "الأدب يحمي الحرية". أما بترام شلش، فانجز عملاً قاتماً بعنوان "مخطوط إرهابي"، بينما جاء عمل تغريد درغوث لوحة من تسعة رسوم متتالية ومتحولة لصورة انفجار نووي. وعلى نحو واضح ومباشر حولت الفنانة زينة قمر الدين بدران، الكتاب، إلى منحوتة مسدس. ريم الجندي، عمدت إلى تجويف الكتاب ليتحول إلى إطار يضم شرائح بلاستيكية شفافة، رسمت على كل شريحة صورة لواحد من الصحافيين اللبنانيين الذين تم اغتيالهم منذ عهد الإستقلال حتى يومنا هذا.

المقاربات الأخرى لا تقل إثارة في اقتراحاتها الإنشائية والفنية والتقنية، أو في معالجتها لموضوع الصحافة والورق والكتب. إيلي أبو رجيلي كان ساخراً، مثلاً، إذ حوّل الكتب نفسها إلى رفوف في فاترينة توضع عليها الحلي أو الأغراض التزينيية. أسامة بعلبكي طمس الكتاب بغراء أشبه بالقطران الأسود وحوله إلى قماشة سميكة سوداء رسم عليها طبيعة صامتة. فيما اجتهد راشد بحصلي بلوحة ثلاثية الأبعاد، مستغلاً ما يقدمه الكتاب من صور ورسوم، وعامداً إلى تطويع أوراق الصفحات بتقنية صعبة، لتتحول إلى شكل كلمة "إقرأ"، وظل منصور الهبر أميناً لأجواء لوحاته الرشيقة بألوانها وتركيباتها الحيوية. وأنجزت ليلى جبر جريديني، عملاً نحتياً تركيبياً شديد الإيحاء بخفته الشكلية وقوته التعبيرية والمشحونة عاطفياً. ولا بد من التنويه بعمل كابي معماري، الذكي و"الخبيث"، إذ ثقب الكتاب ليضع "العين السحرية" فيه، وعرضه على ترايبود الكاميرا (الحامل الثلاثي القوائم)، وعنون عمله "نظرة على القرن 21".
معرض يكشف مسألة حيوية، نادراً ما تثار، عن علاقة الفنانين التشكيليين اللبنانيين بالكتابة والصحافة، بالكتب وبالأدباء وبالجرائد. علاقة ملتبسة لبنانياً على نحو محيّر. 

وفرجة أمس أيضاً كانت غريبة بعض الشيء، طالما أننا نرى مناسبة "رسمية" تخص الدولة اللبنانية، وفي واحدة من مبانيها وبرعايتها، وتكون هكذا مرتبة وجادة و"ثقافية" إلى هذا الحد، من غير نسيان تساؤلنا (واستنكارنا) لماذا تأخر افتتاح المكتبة الوطنية حتى الآن، رغم كل التبرعات والهبات الكثيرة ومرور أكثر من 16 عاماً على انطلاق المشروع؟  
يوسف بزي
Link online