All
x
Revoir l'autre côté / Assafir
Revoir l'autre côté / Assafir
2001-May-10
Revoir l'autre côté (solo) @ UNESCO, Beirut, may 2001
معرض ايلي ابو رجيلي في قصر الأونيسكو
متاهات التجريب والطرقات غير المتقاطعة

 معرض الفنان التشكيلي اللبناني ايلي بو رجيلي في قصر الأونيسكو، الذي ينتهي آخر هذا النهار، هو اول معرض له في بيروت بعد خمسة معارض أقامها في فرنسا أو بلجيكا إلى جانب مشاركات كثيرة في لبنان والعالم. ضم المعرض الجديد 99 عملاً تشكيلياً استخدم فيها مروحة واسعة من المواد اللونية والمواد الصلبة، فزاد حشد المواد في مشهد زحمة الاعمال التي ضاقت عليها الصالة.

ما هو لافت في اعمال بو رجيلي، بداية، هذا الإستخدام الواسع للمواد، والتجريب المنفتح على كل ما أمكن استخدامه منها. حتى بدا المعرض عبارة عن ورشة عرض لما طالت يد الفنان من مواد قريبة منه وبعيدة، مهملة ومصنعة، بالية وجديدة، من المحترف والشارع والبرية وأكوام القمامة... وما إستطاعت خبرته أن تصل من خلطات مبتكرة وغير مبتكرة. حتى أن التنقل بين لوحة وأخرى كان تحركاً فوق سلّم المواد، أو إستعراضا لروح التجدد والتنوع والإنفتاح على احتمالات وخيالات شديدة التنوع.

جهد كبير

 أهمية هذا التوجه انه بدا تدرّبا على الابتكار، وحركة في مساحات حرة، تستقبل أي فكرة او تصور اوخيال أو هذيان أو خاطرة عفوية.

وقفنا أمام الجهد الكبير الذي بذله ايلي بو رجيلي كما يقف أمام فنان لا يريد أن يقدم لنا نتاجه بقدر ما يريد ان يؤكد لنفسه أنه نجح في امتحانها وفي استنزافها وفي نبشها حتى آخر طياتها، وانه كان صادقا في تقديم كل قناعاته وهواجسه من دون اي تزمت او انحياز بارز، لمدرسة او تيار او نزوة عابرة.

استجاب بو رجيلي لكل نزواته، وتعامل مع مسطحاته بتلقائية وإستسلام لكل رقاباته وذواكره وضوابطه وتفلتاته الساخرة، بل استجاب لأمزجة متقلبة من دون حساب لصوغ موقع فني أو شخصية تشكيلية يسعى إليها كثيرون. وهكذا وجدنا الفنان يتقلب في أعماله بين الدادائيين والبقعيين وجامعي المهملات، واولئك الذين ينضبطون مع اللوحة المسطحة، وكذلك الذين يخرجون على السطح الواحد للوحة فيقاربون الحفر والنحت والتجميع والتركيب.

يكسر الفنان سطح اللوحة، مرة، يدمره ويخربه وبعبث به ما إستطاع، في عمل من الأعمال، ثم، في عمل آخر، يتحول بنائيا هندسيا مهتمً بالمقاييس والتآليف المعقلنة. يبدو تجريديا حينا، حتى آخر درجات التجريد، أي الصفاء اللوني في مساحة من المساحات، وبعد ذلك يجسم ويُشخص ويُلمح، أو يأتي بأغصان الشجر وجذوعها، أو يأتي بالحبال والخيطان والشرائط المعدنية والقماش وما إلى ذلك من مواد، ويتركها على طبيعتها وفي كل صورها وحقائقها، في كثير من الأحيان.

مفترقات صعبة

إنّها مسافة واضحة تتقلب فوقها عيون المشاهدين المتابعين لأعمال المعرض، مسافة تتأرجح بين الوعي واللاوعي، وبين الفن واللافن، وبين الانشداد إلى التقنيات ورفضها، ثم بين الرغبة البارزة في التلوين والرسم البادين في مساحات كثيرة وبين الانخطاف مع الفكرة وإهمال لكل تقنية لونية أو معايير اكاديمية أو إئتلاف بصري.

كأنّما يصور ايلي بو رجيلي، بالألوان والمواد، مونولوغا قاسياً إلى هذه الدرجة، ومثقلا بالأضداد والمفارقات والالتباسات. أو كأنه يصور قلقه، حيال ما يجري من تحولات في الفنون التشكيلية، واقفا عند مفترقات صعبة وحواف هشة، تهتز أمامه الخيارات والأشكال والألوان، فلا ينحاز، ولا يبقى مكانه. لا ينحرف ولا يسلك طرق الآخرين، يطرق باب تابييس ولا يدخله. يقارب أبوابا كثيرة من المدارس – كما أسلفنا – من دون أن يغور فيها...هذا هو القلق الذي يتجسد في العمل الفني الذي يوقعه الفنان لمعرضه هذا.

يقود القلق الفنان بو رجيلي إلى ان يبحث عن ضالته في كل مادة يراها أو تصلها يداه. فما بالكم إذا وجدنا في معرضه مواد تفوق بتعداد أنواعها تعداد أعمال المعرض التسعة والتسعين. فإذا عدّدنا مثلاً: الخشب المصنع، خشب الشجر على طبيعته، الزجاج على أنواعه، الرمل، الحصى، المواد البلاستيكية، المعادن على أنواعها، قماش الكتان، الإسمنت، الحبال، وفتاتات لا نتعرف عليها بسهولة، بالإضافة إلى مواد لونية سائلة وطبيعية أو من تركيبات متنوعة... إذا عددنا كل هذه المواد، من تلك التي تخطر في بال الفنانين ولا تخطر. وشاهدنا الأساليب التي ركّبت فيها ولصقت ومسمرة ورُبطت وثُبتت، لفهمنا كم أن الفنان كان داخلاً في التجريب من اعلى رأسه حتى اخمصي قدميه.

لا شك في أن الفنان وضعنا أمام مروحة واسعة ومساحات مخفية من التجريب، أشعرنا حيالها أنه اعطى أقسى ما يمكن أن يعطيه، وبذل جهدا نادرا في تقديم جديده. وربما لأننا لسنا على اطلاع بيّن من تجربته الباريسية يحق لنا ان نشكك بالقول: ماذا يستطيع ان يعطي بو رجيلي بعد؟ واي مواد يجرب في المعرض المقيل؟.

تحريك الأسئلة

قد تكون مثل هذا الأسئلة خبيثة ومقلقة، أو تقع في باب التساؤل البريء الذي قد يجد إجابة.. لكنها في أي حال إجابة صعبة.

بكل بساطة، أن مسوّغ القلق محكوم بهذا التنافر الكثير المتوزع في أرجاء المعرض، والذي يضعنا أمام استبعاد أي خاصية لعمل بو رجيلي الفني، في مشواره التجريبي الذي نراه خطوطا متوازية، قلما نجد في بيانها تقاطعات، بل يضعنا من جديد أمام التساؤل: هل يضع الفنان نفسه أمام خيار من خياراته المتوازية أو الشعاعية المفترقة أو أمام مشوار ينطلق من واحد أو مجموعة من هذه الأعمال، ام انه سوف يتابع القلق ويكرره في المرة المقبلة، بالآلية نفسها وبهدف إشباع التجربة وترسيخها؟

نكثر من التساؤل هذه المرة، لأن المعرض نفسه يُحرّك في المشاهد اسئلة اكثر يجيب ويطمئن، ويحرك قلقا اكثر مما ينشر من أمان... وهو بالتالي يجعلنا نشكك اكثر مما نصدّق، ونشاغب في آرائنا أكثر مما نستسلم ونرمي من إشارات الموافقة.

ولتنسائل أخيراً: هل نرى خلف الغيوم التي نشرها الفنان في ألوانه وحواراته، وخلف غبار التدمير والتخريب والبناء، وخلف الحطام الذي يكمل الصورة ويشوّهها في آن... هل نرى خلف ذلك القلق ضالتنا الفنية وإجابات صريحة وشافية لأسئلة الفن التشكيلي الحديثة الصعبة.

لا أظن أن المعرض يدّعي أكثر من الأسئلة. وما هو مهم في النهاية، اننا كنا أمام لعب ذكي وجميل، وربما أمام بهلواني يدرك جيداً اين يضع قدميه، ويعرف كيف يحيك المقالب المشهدية الممسرحة، ويعيش معرضه بحالاته المتناسلة حيناً والمنفصمة حيناً آخر.

أحمد بزّون