All
x
Revoir l'autre côté / Al Anwar
Revoir l'autre côté / Al Anwar
2001-May-28
Revoir l'autre côté (solo) @ UNESCO, Beirut, may 2001

عناصر المواد المختلفة
رياض فاخوري

الفنان التشكيلي ايلي ابو رجيلي يعرض منذ 13 الجاري حتى 10 منه في قصر الاونيسكو، بيروت مجموعة من أعماله التشكيلية، وهي مجمل مراحله في فن التشكيل الذي كون منه عالماً خاصاً به في التلوين. وفي أكثر من تجربة رأيناها، أو نراها، إذا زرنا معرضه الآن، الجامع خلاصة تجاربه في المواد المختلفة، يتبدّى لنا هذا الفنان التشكيلي البعيد عن الأضواء والعلاقات العامة، بأنه يستخدم جميع العناصر المتوفرة أمامه من تراب مصبوغ وأشرطة وخشب وأغصان وشبابيك، وخلافه من الأشياء الصغيرة المهملة أو المتروكة في بهو العالم، ليكون هذا "الخضاب" الملون، الخضاب الصباغي المتقن (Pigment) الممزوج بمهارة رسام يبني دنياه لحظة لحظة، ورمزاً رمزاً، ودلالة دلالة.

لا يدعي ابو رجيلي بأنه يستخدم هذه المواد مجتمعة من الطبيعة البكر كما تعطى له، أو يجدها أينما كان، وإنّما يحاول أن يهبها إبداعية خاصة به تقربنا من المعاصرة التي التحقت بها الحركة التشكيلية الحديثة في العالم. وإذا كان ابو رجيلي يستفيد كثيراً أو قليلاً من المتوفر في حداثة الأشكال المرسومة وألوانها الحارة أو الظلية، فيما توصل اليه الرسم الحديث، فلكي يعطي هذه الغة إحساساً مغايراً. وهو ما يحلو للرسامين المحدثين أن يدعونه "مكونات". والمكوّن الذي يخلقه أبو رجيلي في مجموع أعماله، كبيرها وصغيرها، هو لغة تواصل وإتصال بينه وبين طبيعة الإنسان البكر، وعناصر الأرض التي هي عناصر الماء والتراب، وأيضاً النبات الذي هو خط جوهري لإيصال أي فكرة إلى مشاهدها، أو المتفاعل معها بصراً أو بصيرة.

لا نقول، مع ذلك، بأن ابو رجيلي يعطي هذه المكونات الملونة، من عدم، وإنّما هو يعيها كلياً، لأنها، في ذاتها، تذكره بأن الصورة المرسومة تبنى من خطوط هندسية أو مسطحات فيزيقية، وهي إلى ذلك تماثل علم الجبر والهندسة، في ضبط المشهدية التأليفية بوعي كامل، ومتقن فيما المثبتات في فضائها، هي مثبتات تؤالف بين ما فيها من عناصر ومواد مختلفة وبين ما يمكن لواهبها الحرفي أن يبرع في تراكيبها الفنية المرهفة.

في إطار هو إطار الجمال، وفي خط هو خط الوجود الكوني والبشري والمنضبط بالأوتار. غير أن هذه "الكوسمية" التي تؤالف بين فكرة وفكرة، بين صورة وصورة، بين كتلة وكتلة، هي "كوسمية" العارف بأن المعنى يبدأ من "جيولوجيا العناصر الأولى للطبيعة المرئية، تراباً وجبِّلة ومجردات".

إذن لا شيء مجانياً في هذه "المخضبات" التي يبتكرها ابو رجيلي بالتعيين أو بالممارسة التقنية العارفة، ليشهد لذاته ولتراكيبه التشكيلية، وإنّما يحاول اللحاق بمهملات الحياة، وما فيها من متروك منسي في بهوها (الخشب، الأوتار، الأغصان، وما إلى ذلك...). ولهذا نراه يشبه عالماً غريباً عنا. وفي الغرابة مغايرة للغة تشكيلية في لبنان دأبنا على رؤيتها والتفكير بها في السنوات الأخيرة.

نعم، مع ابو رجيلي لحظة انبعاث لفت يتكوّن من الإتصال مع الكون. وهذا هو سر كل خلاق يريد من عطاءاته أن تجمل بالتضاد مع الجمال الطبيعي.